قصة مريم العذراء بقيت مريم العذراء عابدةً زاهدةً معتزلةً أهلها في مكان من جهة الشرق، وكان المكان معزولاً عن الناس بحجاب أو حاجز كما قال الله تعالى: (وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا*فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا)،[٢] وبينما هي على تلك الحالة أرسل الله -تعالى- إليها جبريل -عليه السلام- فتشكّل على هيئة رجل ثمّ دخل عليها، فخافت خوفاً شديداً، وتفاجئت ثمّ قالت له قبل أي سؤال أعوذ بالله منك، فلا تقربني إن كنت تخشى من الله وتتقيه، فأجابها جبريل عليه السلام وطمأنها بأنّه مبعوث من الله -عزّ وجلّ- ولا يريد بها السوء ولكنّه أتى ليرزقها غلام بأمر الله، حيث قال الله تعالى: (قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا*قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا)،[٣] فتعجّبت الطاهرة العفيفة العابدة الزاهدة نذر أمّها الذي تقبّله الله بقبول حَسن، وقالت: كيف يكون لي ولد ولم يسبق لي الزواج من إنسان ولم أكن لأفعل الزنا، فبشّرها بأنّ الولد سيُخلق من غير أب ليكون آية للنّاس على قدرة الله عزّ وجلّ، كما قال الله تعالى في سورة مريم: ( قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا*قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحمَةً مِنّا وَكانَ أَمرًا مَقضِيًّا)،[٤] ثمّ نفخ جبريل -عليه السلام- في فمها، وقيل في جيب درعها، فوصلت النفخة إلى بطنها فحملته، فلمّا حملته اعتزلت قومها وذهبت إلى مكان بعيد في أقصى القرية، حتى جاء موعد الولادة فلجأت إلى جذع نخلة، وفي هذه الأثناء اختلطت مشاعر حبّ الله والإيمان به والخوف من اتهامها في دينها وطهارتها في وجدان مريم عليها السلام، فتمنّت الموت قبل الولادة، ثمّ بعث الله -عزّ وجلّ- بمعجزة تُخلّد ذكرها إلى يوم القيامة، فتكلّم عيسى -عليه السلام- مع أمه بأن لا تحزن حيث جعله الله عظيماً من عظماء الدنيا، وقال لها بأن تهزّ جذع النخلة لينزل عليها رطباً لتأكل منها، وقال لها أيضاً بأنّها لا تتكلم إذا قابلت قومها، قال الله تعالى: (فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا*فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا).